martes, junio 06, 2006

AHMED EL KHOMSI EN AL MAGHRIBIA

ما أجمل أن تكون مغربيا، ولو أنك تتحمل شقاء متعبا، كي تتنفس جمالية المغرب، أما التعب فيحصل وأنت تدير عنقك ذات الشرق وجهته الفوق، لتستطيع أن تستل خيط الأمل من وسط أدخنة وأوجاع الحالة البشرية في أوضاعنا .
ومن أقرب اللحظات التي انسد فيها أفق الدخان على قطرة الضمير الصافية، لحظة المنعطف التي فاجأت المغاربة قبل أقل من ثلاث سنوات، فثارت ثورة الاستئصال المتبادل عندها طرحت الدولة فوق الطاولة قضية المصالحة مع الماضي القريب (1999-1956)، أو ما استجد في القاموس بـ "التاريخ الراهن".وبسبب انشغال الفاعلين بساحاتهم الفوقية الضيقة، أصبحت الأرجل تطأ رؤوس المستضعفين الجدد، ومن المستضعفين الجدد : المرأة ومهمشون آخرون لم يختاروا أقدارهم الشخصية، لذلك، انتبهت الدولة أن يتصالح القانون مع ضحاياه، فكانت مدونة الأسرة.كانت رعود السجال وبروق الاستقواء بالدين والليبرالية قد جردت سيوف التطرف من الجانبين، حد الانفجار في صاعقة 16 ماي 2003، فلم نجد غير الاحتكام لما فينا من ضعف، كي نسلم القرار للفصل 19، يومها، أصبح المشرع المغربي حيص بيص، بين إصدار "قانون مكافحة الإرهاب" وبث جرع الزجر ضد الضمير الجمعي المصون في التعبير الصحفي.ومن باب تفعيل النقد الذاتي المجتمعي، قصد إبطال مفعول الانيميا التي يعانيها المجتمع في مجال الديمقراطية وجد الإنسان نفسه مضطرا للدفاع عن حق مسيسي الدين في التعبير عما يخالجهم من الغبن، ومن الحاجة إلى ملء الوجدان بما ينقصه من مقويات الهوية، وبسبب الاطمئنان للاعتدال الراسخ في شخصية المغاربة، لم يحصل الخوف من الاعتداء الاستثنائي على الحق في الحياة لأبرياء قضوا.واستمر الوعي بضرورة بناء المشروع المجتمعي للدولة، الحداثة والديمقراطية، على دائرة واسعة متينة من الحرية للجميع، قصد بناء مناعة وحدوية تحفظ الكيان لفائدة الجميع ومن طرف الجميع، وهو الحرص الذي أفضى إلى مصالحة ضمنية للروح اليسارية التي تكمن فينا مع مسيسي الدين.تلك المصالحة الضمنية، فتحت الأعين المتبادلة على ما وراء الحدود في الحقلين الايديولوجيين : الحقل الديني والحقل العلماني وقد أثمر ذلك خبرة برغماتية وجرأة للعبور نحو الحقل الثاني، إذ لم يكن في الحسبان قبل مأساة 16 ماي، أن نقرأ يوما في موقع حزبي مسؤول العبارة التالية : "حزب العدالة والتنمية ليس حزبا دينيا، أو حزبا منبيا على أساس ديني، بل هو حزب سياسي وطني مؤسس على المواطنة والانتماء الوطني".هذه العبارة ليست أضغاث أحلام، لكنها موقف مسؤول في الموقع الالكتروني لحزب العدالة والتنمية المغربي، وهو يجيب عن بعض الأسئلة المتداولة بين المغاربة، ولا ننسى بالمناسبة أن النخبة المغربية الليبرالية بدورها اجتهدت لتقريب الهوة ما بين الحقل العلماني والحقل الديني، إذ نتذكر الاستاذ عبد العالي بنعمور في السنين الأخيرة، وهو يراجع عبارة الانتساب للشأن العام من زاوية اللادينية بدل العلمانية، ولو أن في الأمر "كيبروكو" كما يقول الفرنسيون، في حالة لغوية تقتضي التطابق في الميدان اللغوي المتبني والاختلاف في المعنى الرمزي المتحدث عنه.الآن، وقد هدأت نفوس واطمأنت أخرى، بعدما خفضت الجبهتان درجات السجال حد "الهدنة الطويلة الأمد"، ما دامت الدولة قد اعتمدت برنامجا متنوعا لإدماج الاجنحة المسيسة للدين في الساحة السياسية المؤسساتية .وما دامت الولايات المتحدة الأميركية قد أوعزت للنخبة السياسية المحافظة المعتدلة في العراق نفسه، بصياغة شكل تنظيمي حزبي بنفس الاسم الموجود في تركيا والمغرب، في دجنبر 2003، أي بعد سنتين من ظهور التسمية السياسية للظاهرة "الديمقراطية الإسلامية" في تركيا والمغرب، على شاكلة "الديمقراطية المسيحية" في ألمانيا وإيطاليا طيلة الحرب الباردة.بل بادرت الولايات المتحدة إلى استقبال مدارس وأجنحة في الجبهة السياسية المحافظة المسيسة للدين، مع توزيع شارات الدعم والتعزيز والأوسمة. غير أن الهدوء المكتسب إلى الآن بين الحقلين الايديولوجيين السياسيين : الأصولية الدينية والليبرالية بمختلف مدارسها، سرعان ما أصبح يئن تحت ضغط الغلاف الزمني المتقلص شيئا فشيئا كلما اقتربت سنة 2007 .لذلك، أصبحت الأعين تحت وطأة أنواع من السراب واشتد تركيزها على اهتزازات وطبقات من الماء أو السحاب مرفوقة بارتفاع الضغط النفسي، مختلط بتأثيرات الهجمات الأميركية والصهيونية على الديمقراطية الفلسطينية، إذ انتقل الوهم والمؤامرة المفترضة إلى الدائرة الضيقة المحيطة بالعمل السياسي الأصولي في المغرب، إلى درجة الرد بأشكال مضادة من السراب الوهمي، سواء تعلق الأمر بوعود سنة 2006 أو بما استجد من استيهامات تسونامي مغربي متهيأ به وله ومن أجله .للتعويض عن ضيف مجال الحرية الأصلي أمام الجميع نعم ضيق مجال الحرية أمام الجميع، ليس فقط أمام اقوى الارادات السياسية الوطيدة من أجل التغيير، سواء المحافظون الدينيين أو المتطرفين الحداثيين، بل ضيق مجال الحرية أمام الدولة، كون المحيط الذي أسند إسبانيا والبرتغال واليونان في منتصف السبعينات عبر برامج مرشال صغرى لترقية الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا يوجد عندنا ما يماثله بجوارنا ومن خلفنا، من اختيارات أكثر امعانا في التسلح وفي القهر السياسي والارتباط بالدوالب الرأسمالية القوية.عبد الحرية المشتهى من طرف كل الرازحين تحت "الإكراهات"، كيف ما كانت درجة ضغطها ومستواها، اليومي أو المؤسساتي أو الدولي، أصبح مطلبا جمالية وروحيا للجميع، وفي أكثر من دائرة وساحة محيطة بالكيان المغربي.ولم يكن غير الإبداع مجالا للتعبير عن الحاجة إلى تنفس عبق الحرية، فإذا كان ديوان العرب، بكيفية تلقائية، الشعر، فقد أصبحت الصورة والسينما مجالا خصبا احتياطيا لتوليد أنفاس الحرية، وأحلام واسعة منفلتة من الرقيب ومن سيفه البتار .وقبل أن نأتي إلى السجال المتصاعد في ساحتنا المغربية الهادئة بفعل الضغط مع اقتراب سنة 2007، نذهب إلى ساحة غنية بتراثها الفني مثل الساحة الإيرانية، لنجد شريطا سينمائيا يحكي تناقضا صارخا بين إكراهات أميركا على الدولة وإكراهات الدولة على المجتمع.فالسلطة المسيسة للدين في إيران، ترى إمكانية تعزيز فريق كرة القدم الإيراني في ألمانيا في الصيف المقبل بحضور الرئيس أحمدي نجاد، وسلطة المحافظين الجدد في أميركا ستعمل ما في وسعها لحرمان الفريق الإيراني من دعم رئيسه، لكن السلطة المسيسة للدين نفسها في إيران، وفي ميدان كرة القدم نفسها، تضغط على نصف المجتمع من الإناث وتمنعهن من ولوج الملاعب للمشاهدة، لم تساند النساء الإيرانيات جهة أخرى غير السينما.فقد عمل المخرج الإيراني جعفر بناهي على إنتاج فيلم كوميدي بعنوان من داخل قاموس كرة القدم "تسلل" أو "حالة شرود"، بطلته نساء يتخفين في ألبسة الرجال للتمكن من حقهن في مشاهدة مباراة كرة القدم ، غير أن السلطة المسيسة للدين لم تر إلى الآن هذا التناقض الصارخ بين رغبة الرئيس مشاهدة الكرة في ألمانيا، ومنع النساء الإيرانيات من رغبتهن في مشاهدة المقابلة داخل وطنهن إيران.والشيء الوحيد الذي قفز إليه نظر للسلطة الإيرانية هو "تسلل" المخرج جعفر بناهي نحو قاعات السينما رغم أن بطلاته لابسات لباس الرجال.والصراخ الذي نسمعه نحن هنا في المغرب بصدد فيلم ماروك، من جانب هيئة سياسية مشرئبة نحو الحكومة ما بعد سنة 2007، هو هذا التناقض في رحبة مغربية، ما بين الخبر الذي عبرته عند جريدة مغربية كون رئيس الحزب بمدينة مكناس عبر عن توقيع "هدنة طويلة الأمد" مع إسرائيل فوق التراب الفرنسي، في حين لم تتمكن ليلى المراكشي من شرف هدنة مماثلة من الهيئة السياسية المعنية، لأن الساحة الاشهارية تختلف ما بين الداخل (القاعات السينمائية حيث الجمهور الحداثي) والخارج حيث الطرف الفرنسي الذي يستقبل خمور مكناسة الزيتون المعتقة.إن المشاهد لفيلم ليلى المراكشي سيجد مادة خام، في إمكان الهيئة المسيسة للدين أن تتأمل فيها وتتعامل مع مخرجتها بهدوء قصد جعلها حجة فنية على المعيش اليومي لأبناء طبقة اجتماعية مترفة، كيفما كان انتماؤها الديني، تتستر على القتل (أمين الأخ في الفيلم للبطل قتل شابا بسبب هوايات السباق الجنوني)، في حين تستهلك غوغائية منع العلاقة بين أبناء أهل الكتاب، والحال أن السقف الذهني للمخرجة نفسها لم يسمح بغير نهاية مأساوية للشاب اليهودي بسبب هوايته القاتلة (كما يسميها الفرنسيون Casse-gueule)، بمعنى لم تنه العلاقة بزواج غير ممكن، حسب تفاصيل الفيلم نفسه، المعالج لتناقض الترف الأبدي والورع الشكلي المؤقت خلال رمضان.كما أن ذلك المشاهد هو أيضا قارئ، والقارئ يسبر أغوار الواقع وآفاقه الرحبة، فيكشف تناقضاته يوما عن يوم، وجزء من هذه التناقضات عبر السيدة أسماء أورون التركية، زوجة النائب البرلماني خليل أورون في تركيا، والتي عانت من الضرب على يد زوجها المنتمي للحزب الحاكم في تركيا.هذا الوضع العام ضد المرأة هو ما دفع ليلى المراكشي في المغرب أن تنتج شريطا مدويا عبر شخصية مرجانة الجميلة، ودفع أسماء أورون أن ترفع قضيتها بنفسها، أمام القضاء التركي، ودفع الشيعية المحامية اللبنانية بشرى الخليل أن تضخي بأصوات الشيعة في جنوب لبنان وتخسر كرسيا في البرلمان لتربح شرف الدفاع عن الأمة حسب قناعتها بالدفاع عن رئيس بلد عربي أسقط بسلاح الاحتلال في العراق. فالمرأة العربية اليوم هي تلك الوردة التي يفوح منها عبق الحرية ولو كان شبق السلطة منقضا عليها ومن حولها باسم الهوية.

No hay comentarios: