jueves, noviembre 27, 2008

Rawafid y Bilal Achmal

الثقافة العربية والإعلام الرقمي [أسئلة لمحمد بلال أشمل من لدن "روافد ثقافية"]
ضمن ملفها المعنون بـ" وضع الثقافة العربية بين الورقي والرقمي" الصادر في العدد الثاني عشر (2008)، سألتني جريدة "روافد ثقافية" الصادرة في تطاون الأسئلة التالية:

- روافد ثقافية: سبق لكم أن خضتم تجربة إصدار جريدة ورقية، ثم انتقلتم إلى إنشاء مدونة تهتم بالأخبار الثقافية المحلية، لماذا هذا الانتقال؟

محمد بلال أشمل: هو في الواقع ليس انتقالا بل "تنقيلا" حملتني عليه وسائل التواصل الرقمي المتطورة، وفرضته علي الحاجة إلى مخاطبة عدد واسع من القراء في العالم. ثم هي لحظة صدق مع النفس: من أكون حتى أصدر جريدة ورقية ثقافية في مدينة عرف عنها الجحود على ما كان يرى الفقيه المرير رحمه الله ذات يوم تطاوني مرطوب؟ ليس لدي تكوين صحافي معتبر أغشى به هذا الميدان الذي غشيه غيري في تطاون بغايات مشهورة، وليست لدي عصبية سياسية تؤازرني إذا ضيقت يد الرقيب الخناق على الهواء، وليس لدي سند مالي يحميني من جشع السوق، ويعوضني تردد القراء حين ابتياع نسخة من جريدة في ناحية مهملة من الشمس. لست إلا رجلا يحمله شعوره بالمسؤولية الحضارية على الانصياع لإحدى حالاته العاطفية فيصدر "منبر المسؤولية الحضارية"، ويطلق "جريدة الأخبار الثقافية التطاونية" حتى يقدم صورة أخرى عما يروجه بعض الكتبة عن مكاننا المشترك. ومع ذلك ففكرة إصدار جريدة ورقية كجريدة "الأنوار" التي "أضأناها" مع ثلة من الأصدقاء عام 1993 أو "تطاون العامرة" التي أصدرتها عام 1999 ما زالت ضاغطة وتتربص بالأقدار لكي تخرج على الناس بما ترضاه من عمل صحافي. ولكن هل تكفي العواطف لصنع التاريخ؟ من غير المعقول أن تكون تطاون بمجدها الصحافي المعلوم وهي لا تقو على إصدار صحيفة جامعة تكون هي مرآة الحياة العقلية فيها. ولكن أيضا ليس أقسى على القلب أن يكون المرء في تطاون شر خلف لخير سلف. ولذلك فالصبر مثوانا الأول والأخير. ومن يدري؟ فلعلها تتغير الأمور إلى ما نشاء ونرضى. ما نصنعه في مدوناتنا الآن إنما هو من قبيل "إشعال شمعة خير من لعن الظلام" ليس أقل ولا أكثر، أو قل هو من الاجتزاء بالبعض في استحالة الحصول على الكل. والكل هو أن تتهيأ الأسباب الكافية والضرورية لعمل صحافي في مستوى أشواقنا الفكرية والثقافية والإيديولوجية. لا أتصور في المدى البعيد صحيفة إلكترونية تحل محل صحيفة ورقية وتعوضنا عن غيابها القسري. في اعتقادي ما زلنا نحتاج إلى رائحة الورق، حتى ننتشي في فعل ثقافي في مستوى طموحاتنا. "الكلمة" المكتوبة هي الأصل وما زالت، والغالب على الظن أنها ستبقى. بيد أن هذه النزعة المحافظة التي نعلنها للناس بافتخار لا تنسينا هوانا الرقمي، ولا تبعدنا عن القيام بواجبنا تجاه ضرورات التواصل العصرية. ولكن دعني أقول لك: في "جريدة الأخبار الثقافية التطاونية" أنشر ما يحلو لي، وما يوافق اختياري، وما أراه يمثل الحياة الثقافية في مدينتي. أصنع ذلك من منطلق أن هذه "مدونتي". وحين أتحرى فيها قدرا قليلا من "الغيرية" فذلك على قدر الاستطاعة، لا مجبرا ولا مكرها ولكن طائعا مختارا. أقوم بواجبي بكامل حريتي. وهكذا ألتزم بحدود مهمة "الفدان" كساحة للعرض وكميدان للمعاينة: إعلام القارئ الواقعي والمفترض بـ"الأخبار الثقافية التطاونية". ومن ثم فليس صحيحا أن ما ينشر هنالك هو فقط "الأخبار الثقافية المحلية"، لأن منطق الثقافة الرقمية يقوم على التشظي المكاني بل على قتل المكان والزمان والمسافة، ومن ثم زوال العقلية المركزية وما تستند عليه من مقدمات متهافتة مثل "المحلي" و "المركزي" و "الوسط" و "الدائرة". نافذة "الفدان" مشرعة على الكون، مفتاحها اللغة العربية التي تخاطب بها نظيراتها في العملية التواصلية، وآلتها اللغة الرقمية التي تصطنعها لترجمة تلك العملية. وفوق كل هذا وذاك طبيعة الخيرات الرمزية التي تتبادلها مع غيرها من مواطني العالم اعتزازا بانتمائها إلى المكان الذي تستوطنه بكل رمزيته، وأملا في مستقبل واعد على أرضه دون أن تزعم أنها "أم الدنيا". ألسنا من أطلقنا استعارة "الفدان الفلسفي" في مقابل "الأغورا" اليونانية فعلم بها القاصي والداني، وصار "الفدان" كساحة واقعية ومجازية رمزا للحرية والحوار؟ التحدي الحقيقي هو كيف تستطيع انطلاقا من مكانك المشخص أن تبرهن على كونيتك المجردة. ومع ذلك صرنا نكتشف كم هي قوية "أوهن البيوت" لما خلقت لنا صداقات في الشمال والجنوب، وهيأت لنا عداوات في الشرق والغرب لمحض أنا أعلنا ولاءنا للمدينة وأعلن غيرنا ولاءهم للقبيلة. هذه هي على الأقل عقيدة "الفدان" وعليها ستلقى قراءها الذين بدؤوا يعرفون اسم مدينتنا بفضلها مقرونا بالفلسفة والأدب والفن والثقافة وليس بالمخدرات والإرهاب والشذوذ والتهريب.


- روافد ثقافية: كيف تنظرون إلى مستقبل الثقافة المنشورة رقميا؟


م.ب. أشمل: أنظر إلى مستقبل الثقافة المنشورة رقميا بعين الرضا لأن الصالح سيصمد في وجه الزمن، أما الأصلح فسيخلد في وجه الزمانية. وكلما كان مستقبل الثقافة الرقمية مستقبلا واعدا، كلما كانت الثقافة الورقية بسبيلها إلى الرسوخ؛ لأني أعتبر أن الثقافة الرقمية تستند في وجه من وجهها على الثقافة الورقية فهي الرافد لها بامتياز، على الأقل لدى أولي العزم من القراء والمفكرين والمثقفين. أما أصحابنا ممن لهم ولع بالثقافة "البوكادية"-نسبة إلى البوكاديو- فحسبهم من الثقافة أعراضها، أما جواهرها فليسو بحاجة إليها، أو هي ليست بحاجة إليهم، حتى تنهض بما ينبغي أن تنهض به من مسؤوليات. في تقديري ستحافظ وسائط الثقافة الورقية على مقامها، وستنطلق الثقافة الرقمية إلى أكوان غير متوقعة من الإبداع والاكتشاف وسيكون على الواحد منهما أن يتعاون مع الآخر في سبيل مرضاة من وجدا جميعا بسببه.

- روافد ثقافية: ما الذي أضافه الإعلام الرقمي للثقافة العربية؟

م.ب. أشمل: الذي أضافه الإعلام الرقمي للثقافة العربية أشياء كثيرة منها ما هو في مصلحتها ومنها ما هو ضد مصلحتها. وحسبي أن أذكر من سائرها أنه أمدها بشرط ضروري لازدهارها وهو إمكانية الحرية؛ فها نحن نشهد كم من الحدود قد فتحت عنوة، وكم من السدود نقبت حيلة، وكم من السلط سقطت صلحا، حتى صار "الفدان" الافتراضي ساحة بدون تأشيرة، تغشاه بآنسيابية عظيمة كل أمم الأفكار والآراء والمقالات والنحل والملل والأهواء، وتقيم فيه ما تشاء من بنيان. إن الشبكة الرقمية، بما هيأته من سرعة في التواصل، وبما سمحت به من أسباب الانتشار الواسع، كسرت سلطان من كان يتسلطن، ونسفت بنيان من كان يتجبر، ولكنها أثمرت نوعا من الآفات كنا حسبناها انقرضت خلال العصر الورقي، فإذا بها قد ازدادت انتشارا وسعارا وهاهي تهدد "العملة الحقيقية" بزيفها وادعائها وتعالمها، فمن كان نكرة بين أهل الصنعة صار "معلما" ينبغي أن تقدم له الولاءات وإلا لشنع عليك في مختلف المواقع والمنتديات الرقمية والواقعية. أيستطيع أي منكر أن ينكر أن الثقافة الرقمية سترسخ قيمة محمودة هي الحرية وستمكن لقيمة دنيئة هي الادعاء؟ ولكن متى كان عالمنا الورقي خاليا من نكبات الحرية وعاريا عن آفات الادعاء حتى نطمع في خلو العالم الرقمي منهما؟ كما كانا مترافقين ومتزاوجين على حالين متنافرين سيظلان كذلك إلا أن يقرر الإنسان العيش في "مدينة الله". أما ما دام يعيش في مدينة الإنسان، بجهالتها وفسقها، فعليه أن يصبر ويصابر ويسعى ما وسعته قوته وإرادته إلى العمل من أجل الحرية ومناهضة كافة أشكال الادعاء سواء باللسان أو بالخط أو بالنقر. الحرية والادعاء يقف الواحد منهما على طرفي نقيض، وبما أنهما أكثر المظاهر التي جدت على الثقافة العربية- أو تجدد حضورها فيها بشكلها الرقمي- كلاهما يعكسان آمال الثقافة العربية في الانعتاق من جميع أشكال القيد والادعاء المفروضة على عقل وجسد وروح الإنسان العربي والتي تقف في وجه أن يكون كيانه ملكا له لا ملكا لغيره.

- روافد ثقافية : ألم تؤثر سهولة النشر رقميا على قيمة الإبداع ؟

م.ب. أشمل: هذا السؤال يستطيع أن يجيب عليه أهل الصنعة من النقاد. ولكني مع ذلك أقدر أن سهولة النشر رقميا أثرت على قيمة الإبداع من زاويتين، الأولى إيجابية؛ فقد صار معلوما أن "أوهن البيوت" ينطوي على إسهامات عظيمة القدر في الجودة والإبداع، سهلت لها الدولة الرقمية الافتراضية المواطنة الكاملة بعدما سدت الصحف الحزبية و الكتائبية أبوابها في وجهها؛ والثانية سلبية، فقد صار معروفا أن الشبكة العنكبوتية تستضيف في ربوعها ذوي"الرايات الحمر" لا ّهمّ لهم إلا تفريخ كل مؤذٍ للذوق ومسئٍ إلى المروءة ومعاندٍ للعقل. وكدليل على ذلك هذه الآثار الفكرية والأدبية التي تحفل بها المواقع الرقمية وتتبشع بها المنتديات الافتراضية؛ فبين عشية وضحاها أصبح لدينا كم هائل من "الشعراء"، وصار لدينا جيش لا يقهر من"الصحافيين"، وطفقنا كل صباح أمام طائفة منصورة من "الكتاب" يتبادلون الإطراء والمديح فيما بينهم بسهولة غير معقولة. ولا عجب، فبعض القبائل الافتراضية توزع على مواليها الألقاب وتكرمهم بمحض التشيع لها دون أن تعلم أنهم مجهولي النسب في قومهم، وأن بضاعتهم فاسدة تعرض الذوق العام للخطر. لقد صار الكذب والادعاء هو عقيدة من خرج على الناس بمدونة أو بموقع -إلا قليلا- ومن ثم أحدث من التأثير السيئ على قيمة الإبداع ما يلمسه كل ذي نظر. إنها مهمة النقاد في تزييف الأعمال الفكرية والأدبية المنشورة على الشبكة العنكبوتية، ولكن ما حيلتهم وقد أعيتهم كثرة الادعاء في العالم الواقعي، كيف سيعالجونها في العالم الافتراضي؟

- روافد ثقافية : ما رأيكم في التوقعات التي تتنبأ بانقراض الإنتاج الثقافي الورقي ؟

م.ب. أشمل: اعتقد أن تحديد جغرافية "الانقراض" أمر مهم. يجوز أن يصح هذا على المجتمعات التي صفت حسابها مع الأمية ومع الفقر، وصار التكوين الثقافي لديها بمعناه العام من مقومات حياتها اليومية، أما لدينا نحن الذين ما زلنا نتخبط في جهالتنا وجهلنا، فما زلنا نحتاج إلى وقت طويل حتى نتطارح هذه التوقعات اللهم إلا إذا كان بأس من يريد أن يدخل بنا هذه المرحلة قويا فيحملنا على حرق مرحلة لسنا مؤهلين لحرقها دون الاستعداد لها أتم الاستعداد. هذا إلى أني أرى أن العقلية التجريدية التي تحسن استخدام وسائل الثقافة الرقمية هي عقلية محصورة جدا في عدد محدود من المتعلمين، أما سواهم فهم من أصحاب العقلية الحسية الذين تربطهم بالأشياء علاقة رحمانية، ومن ثم، فمن الصعب جعلهم يصطنعون الثقافة الرقمية مع أنهم في قرارة أنفسهم من أكثر مستخدميها ولكن بعقلية "فيتيشية" كما هو الحال مع وسائط التواصل الحالية من هواتف نقالة وغرف الدردشة وما على ذلك. أقدر أن الثقافة الورقية –وتحديدا الكتاب- ستصير كمثل تلك القلعة الحصينة التي كلما تعب الناس من الترحال بين المجرد وأشباهه، عادوا إليها التماسا لحنان الأم يطمئنهم أنهم ما زالوا بواقعيتهم، ولعلهم سيبحثون عن تلك الوردة الحمراء التي وضعوها ذات ربيع "كيتاني" في إحدى صفحات كتبهم الأثيرة على أنفسهم حتى يربطوا صلاتهم بالماضي الواقعي استعدادا للحاضر الافتراضي.
محمد بلال أشمل
تطاون العامرة

1 comentario:

Anónimo dijo...

c'est manifique ce que vous avez écrit . je vous dis bravoo et bon courage mon prof. je suis EL-Bakkali Abdel-Majid je vous souhait bonne année.تطاون العامرةDIMA